Monday, January 25, 2010

بعض التوجهات في تربية الطفل في المجتمع الفلسطيني

لتحميل النص اضغط هنا


بعض التوجهات في تربية الطفل في المجتمع الفلسطيني

إن تربية الطفل في مجتمعنا الفلسطيني، كغيره من المجتمعات، عملية حساسة جدا لأن نتائج هذه التربية وآثارها لا تنعكس على حياة الطفل وحده، بل أن آثارها الإيجابية أو السلبية تنعكس على حياة الأسرة وسمعتها لسنوات طويلة، وتمس بآثارها الأقارب والأصدقاء بل ربما تمس القرية بأكملها على مدى عدة أجيال، وهناك العديد من الأمثال التي تسري بمثابة القانون العرفي في المجتمع "البيظة عللي ببيظها" و"ثلثين الولد لخاله" و"طب الجره على ثمها بتطلع البنت على أمها" و"فرخ البط عوام" و"بنت الفارة حفارة" و"بنت الخواضة خواضة" و"عمره ما طلع من النتش يواصيل". أمثال كثيرة نستخدمها دون أن نعتبر سنة التطور والتغير، وآثارها في عطاء جديد يختلف عن الأصل.

وفي الأقوال الشعبية الدارجة الكثير من الشواهد على الآثار السلبية لتربية الأولاد وتحميلها لأقاربهم وذويهم "الحق مش عليه على اللي مربيه"، "ويلعن أبوك ويلعن اللي ربوك"، "ويلعن تربياتك" "يلعن أبوك اللي مش مربيك أي ما هو الولد العاطل يجيب لأهله المسبة". أما النواحي الإيجابية فلها نصيب أيضا في الأقوال الدارجة "خذوا بنات الساس والراس والعلا: خذوا بنات الخيرين المناصب"، "والله إنها بنت أجاويد وترباية أجاويد"، "ابن الساس لا تخاف منه برده أصله".

إن تربية الأطفال في المجتمع الفلسطيني تقوم بداية على العناية بصحتهم من جميع نواحيها كما تقوم بعد ذلك على العناية بأخلاقهم وسلوكهم، ويشترك جميع أفراد الأسرة من الجد والجدة والأب والأم والأخوة والأخوات في تربية الأبناء وتنشئتهم خاصة في الأسرة الممتدة والتي كانت سائدة حتى الستينات وترتكز التربية على محورين أساسيين: التربية الاجتماعية والأخلاقية.

أولا: تربية الطفل الصحية:

تعتبر تربية الذكور صحيا في نظر الكثير من الوالدين أصعب بكثير من تربية الإناث في مجتمعنا الفلسطيني إذ ينال أضعاف ما تناله الأنثى من العناية والاهتمام، ولا غرابة في ذلك إذا عرفنا أن المجتمع العربي هو مجتمع رجال ينال فيه الرجل من الأهمية الشيء الكثير، حيث أن الجهود المبذولة في العناية بالذكور أكثر بكثير من الجهود المبذولة في العناية بالإناث عند معظم الأهل- وإن كنا نرى تغيرا في هذا الموقف- ونرى ذلك في بعض الأمثال الشعبية: "تربية الصبيان مثل قرط الصوان"، "ما شفتك يا نون إلا لما تقلعن العيون".

فالذكر في الأسرة ينال جل اهتمامها لأنه عنوان بقائها واستمرارها ووجودها، فالأسرة التي لا تنجب الذكور لا تعتبر أسرة كاملة في المفهوم، فيقال عمن لا ينجب الذكور عند موته: "يا كشيله اتسكرت داره" "راح بلا خلفه الله يساعده". فإذا مرض الذكر يحمل إلى الطبيب رأسا، تقول إحدى الأمهات:" الوالد بس يسخن رأسه بنوخذه ع الدكتور"، كما وتنذر امه عنه النذورات بمجرد مرضه فنسمعها تقول: "نذر عليه إن طاب لأذبح سخل وأفرقه على الفقرا"، ويقول المثل في ذلك:"ربيتك يا ولدي كل شبر بنذر" وينذرون النذورات رغم معرفتهم أن هذا لا يجدي نفعا "ابن النذورات وجود السحورات ما ينفعش". أما إذا مرضت الأنثى فلا يهتمون بمرضها فبعض الآباء يقولون: "لو تدقوا رأسها بحجر ما بصيرش فيها شيء" و"البنت مثل البسة بسبع أرواح" "والله لو تدبها عن ظهر الحيط ما يصير فيها اشي"، "لا تخافوش عليها ما هي بنت" ولكننا نرى اليوم قلة شيوع هذه الأقوال والأمثال وقلة الأخذ بها.

إن الاهتمام وبنظافة الطفل يشكل جزءا هاما من جوانب الاهتمام بصحته، وذلك حتى يبعدوا عنه الأمراض كما يهتمن بأكله وطعامه، فمن مدة الرضاعة يقولون: "البنت سنة وأجرك الله، والولد سنتين ولا أجرك الله". وتهتم الأم المرضعة بإطعام ابنها أكثر من ثلاث وجبات يوميا فهي تترك عملها إذا صاح، ولا تلقي الأنثى نفس الرعاية إذا صاحت أو بكت، فنسمع بعض الأمهات يقلن: "إن شا الله بتنسطح تخلص شغلي وبطعيمها" " لا ذاقته هاذي بدها يظل بزي في ثمها". وبعد الفطام بالحصة الكبيرة للذكر ويطلب منها دائما الاستزادة من الكل حتى أن الأبوين يطعمانه حصتهما كلها أو جزءا منها "أطعم ابنك وأكرمه بتلاقي مين يحترمه" "اللي بوكله ابنك آخرته بطلعه"، اما البنت فلا تعطى أي اهتمام في طعامها "توكل والا لا ذاقته" "الأكل فيها خسارة ما هي اخرتها طالعة" "أنا بدي أرببها لغيري".

وتهتم الأسرة جميعها بتربية الذكور وتميزهم على الإناث فمن صغر الذكر يفهمونه أن عالمه هو الأقوى فيشجعونه على قتال أخواته الأكبر منه والأصغر حيث يقول بعض الآباء: شد في شعرها، أبطحها، أذبحها، كما يعلمونه مقاتلة أجياله ومصارعتهم ويعطونه الجوائز إذا فاز ويعلمونه فنون الرياضة الشعبية مثل "العرقلة وأخذ الأباطين عند المصارعة، ويعلمونه ألعابا أخرى كالجري والقفز والفروسية باستعمال عصا طويلة بدل الفرس واستزادوا اليوم بتعليمه بعض حركات الكاراتيه. يكون للبنت نصيب في هذا النوع من التربية فيطلبون أثناء السهرة مع الجيران من الأطفال الذين من نفس الجيل أن يتقاتلوا إذ تقول الأم لابنتها شدي في شعرها". أو غير ذلك من الألفاظ المشابهة، ولكننا نرى اليوم أن عملية التمييز بين الذكر والأنثى قد قلت إلى حد كبير فنجد أن بعض الآباء والأمهات يهتمون بالبنات اهتماما كبيرا قد يفرق اهتمامهم بالأبناء في بعض الأحيان.

إن الاهتمام بصحة الطفل يدعو الأسرة للاهتمام بنظافته ومراقبته أثناء اللعب ليبعدوا عنه كل ما يؤثر على صحته فيوجهون إليه النصح قائلين "اصحى تلعب بالتراب" "تلعبش في السكين" "تلعبش في النار " ويلبسونه المريلة عند الأكل ويوبخونه على عدم نظافة ملابسه، فيقولون: ليش القع، "ليش موسخ أواعيك" و"يطلبون منه أن يغسل يديه ووجهه قبل الأكل وبعده"، وأن يمسح العرق عن جسمه بعد اللعب، ويشجعونه على كثرة الاستحمام ويلقبون من يظهر مخاطه في أنفه "أبو البرابير" "بوكل في برابيره" كما يطلبون من الأطفال إزالة القذى عن عيونهم وطرد الدبان عنها، ويوجه الطفل لعدم المشي حافيا "حتى لا تتشقق اكعابه أو يطبعه الشوك والمسامير".

ثانيا: تربية الطفل الاجتماعية والأخلاقية:

تقوم التنشئة الاجتماعية للطفل على تربيته ضمن مفاهيم المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده، وهذه مجال اهتمام العائلة الواسع لأن "من شب على شيء شاب عليه" وحيث تؤثر هذه التنشئة على الطفل سلبيا أو إيجابيا، وبالتالي فإنها تؤثر على حياة الأسرة وسمعتها على مدى أعوام طويلة.

1- وأهم المثل والقيم التي تحرص العائلة على غرسها في الطفل هي قيمة الشرف خاصة بالنسبة للإناث حيث تكون هذه القيمة محور اهتمام العائلة جميعها لأن شرف البنت لا تتحمل نتيجته البنت وحدها، وإنما يؤثر أعظم التأثير على حياة الأسرة جميعها ولعدة أجيال، والبنات من حيث الصفات الخلقية:

أ‌. أصيلة مسنسلة "وجايا على أمها وعماتها وخالاتها" و"بنت الحرة ذهب في الجرة" "وإن سبقوك على الزين أسبقهم عالأصل" وتشير الأغاني التالية إلى ذلك بوضوح

هي إيه وإحنا ما نعد المال على الحصيرة

هي إيه وإحنا ما عجبنا الزين اجينا ع الأصل جينا

هي ايه وإحنا نعد المال في الصينية

هي وإحنا ما عجبنا الزين اجينا ع القرمية

** * * * * *

هي اية وارفعي راسك يا مرفوعة الرأس

هي اية لا فيك حوفة ولا مقالة الناس

هي اية وروحي لبيك على الديوان قولي له

هي ايه واحنا خواتك ذهب والناس لباسي

* ** * ** * **

هي اية وارفعي كمك

هي اية يا فاخرة مثل أمك

هي اية وأبو زيد خالك

هي اية والهلال عمك

ب‌. والنوع الثاني البنت غير الأصيلة واللي طالعة على أمها وخالاتها أو جداتها" "اللواتي تحدث عنهن أهل القرية بالسوء وعندما تردد الأمثال الشعبية التالية: "فرخ البط عوام" "ع سابع جد اتجيب إحصان إبرق" "بجرها أصلها" "بنت الفارة حفارة" "بنت الخواضة خواضة" ، "ما تخافش من القبحة خاف من بينتها".

ولأهمية قيمة الشرف تقوم الأم من يوم ولادة الأنثى بتغطية جميع أجزاء جسمها ولا تسمح حتى لأخوتها الصغار أن يحضروا حمامها أو يحضروا أثناء تغيير الأم لملابس الأنثى، وعندما تكبر الأنثى يزداد اهتمام الأم بابنتها من هذه الناحية، فتحرص دائما أن تلبسها السروال والثياب الطويلة التي تغطي جسمها، وعندما تبدأ البنت تعي تفهم تنصب عليها عبارات النصح والإرشاد الشديد من الأهل جميعا: "اصحي الأولاد لعبوا عليك" "اصحي توري عيبك للأولاد" "اصحي الولاد يحكوا الك حكي عيب" "اصحي تلعبي مع الولاد". ويلقبون من تعلب مع الأولاد "حسن صبي" وإذا ظهر أي جزء من جسمها يصيح بها الجميع "غطي عيبك"، حتى أن جلوس البنت بطريقة غير لائقة كأن تفتح رجليها أثناء الجلوس هو عيب فيقال لها: "اقعدي مليح وظبي أجريك" وممنوع على الأنثى أن تنظر إلى زبرة أخيها الصغير ":ديري وجهك لا تبحريش ع عيبه" وممنوع عليها أن تستمع لأي حديث يتناول قضايا لا أخلاقية حصلت في القرية. كما تستخدم الأم سلطة الأب في تخويف ابنتها في هذه القضية فنسمعها تقول: "تيجي أبوك والله لخليه يموتك من القتل "غير اخلي أبوك يبحش لك قبر" وتروي لها قصصا خيالية عن قضايا لا أخلاقية: "مرة في بنت باقية تلعب مع الأولاد ولعبوا مع بعض عريس وعروس، وأجا الولد الصغير وكشف عن عيب البنت وشافه ويوم عرف أبوها أخذها عالخلا وبحش إلها جورة وحطها فيها وماتت". وبعد سن الرابعة تبدأ الأم في الفصل بين الإناث والذكور في اللعب والجلوس وبعد الخامسة والسادسة ترشدها لمسلكها في الشارع أثناء ذهابها إلى المدرسة أو الدكان فتقول لها: اصحي تبحري وأنت ماشية وراك" "اصحي تحكي مع الأولاد وأنت ماشية" والأم بذلك تسترشد في توجيهاتها تلك بالأمثال الشعبية الدارجة "إن ضحكت وبين سنها ألحقها ولو كانت في حضن أمها" "البنت اللفوت عندها فوت"، كما وتبدأ الأم بحث ابنتها على عدم الذهاب إلى الجيران الذين كانت تلعب معهم مسترشدة ببعض الأمثال الشعبية: "بيتي قبري وعيشي صبري" "من بيت أشكع لبيت أركع" "من بيت شطني لبيت لطني" "طلعت المستحية من الصبح للعشية".

اما دور الأب في ذلك فهو أن الأم تستخدم سلطته كوسيلة للتخويف من اجل ضبط سلوك الأنثى ويشارك الأم في تعليم وتربية البنت من ناحية الشرف، وتكون توجيهاته بصورة أقصى من الأم، كما يهددها كالأم إذا لعبت مع الأولاد، أو أن يضحك عليها أحد ويقول المثل الشعبي" البنت اللي ما بتستحي من أباها لا فيها ولا في رباها" ونفس الدور يقوم به الأخوة والأخوات، ولكن دور الأخوة أكثر فهم يرافقون أخواتهم عند ذهابهن إلى دور الأقارب أو الأخوات المتزوجات، ويراقبون من بعيد أخواتهم أثناء سيرهن في الشارع، ويرشدون أخواتهم بأسلوب شديد بأن لا يلتفتن خلفهن أثناء سيرهن، وأن يقلن له عن أي ولد يحاول أن يتكلم معهن في الطريق.

ويشارك المجتمع أيضا في المحافظة على الشرف، فالجميع يتدخل إذا وجدوا أنثى وذكرا يتقاتلان في الطريق ويتدخلون طبعا لصالح الأنثى ضد الذكر فإن سياجا من الحذر والحيطة يحيطان بالأنثى محافظة على شرفها وأخلاقها.

كما أنهم يحافظون على الذكر كثيرا ويخافون على سمعته.

No comments:

Post a Comment